Thursday 24 March 2016

إسأل "لماذا؟"

السؤال "لماذا؟" بشكل متواصل قد تكون الوسيلة المفضلة لطفلك ذو الثلاث أو الأربع سنوات في قيادتك نحو الجنون، ولكنها في الوقت نفسه قد تُعلمك درساً قسماً في تحليل المشكلات، خصوصاً تلك المشكلات المتعلقة بالعوامل والتفاعل بين الأفراد. ففي أغلب الأحيان قد تجد نفسك تحاول حل مشكلةٍ ما بدون تحديد السبب الجذري لتلك المشكلة. لذا فإن طرح السؤال "لماذا؟" مراراً وتكراراً قد يساعدك على معرفة وإدراك الأعراض المصاحبة لأي مشكلة تواجهها، وبالتالي تقودك إلى تحديد والتعرف على السبب الجذري للمشكلة.

كقاعدة عامة إسأل "لماذا؟" خمس مرات على الأقل في محاولتك لإيجاد السبب الجذري للمشكلة. حيث تتميز هذه الطريقة بكونها سهلة وبالإمكان إستخدامها في بيئة العمل بصورة يومية، من غير الحاجة إلى أدوات تحليل كتجزئة البيانات (بالإنجليزية: Data Fragmentation) واختبار الفرضيات (بالإنجليزية: Testing Hypotheses) وغيرها من الأدوات الإحصائية المتقدمة. أدناه مجموعة خطوات مبسطة تشرح الكيفية المستخدمة في إيجاد الأسباب الجذرية لمشكلة ما بإستخدام هذه الطريقة:

• الخطوة الأولى: حدد المشكلة واكتبها بشكل متكامل وشامل بصورة واضح، بحيث يمكن لأفراد فريق عملك من التمعن في المشكلة والتركيز عليها. مثال لمشكلة: "أحد أهم زبائن الشركة غير راضٍ، لأن ما تم شحنه من منتجات لا تبلي المواصفات المطلوبة". 

• الخطوة الثانية: إسأل فريق عملك "لماذا" حدثت المشكلة؟ ثم إكتب الإجابة أسفل المشكلة. مثال لسؤال حول المشكلة المذكورة أعلاه: "لماذا تم شحن منتجات لا تلبي المواصفات المطلوبة من قِبل الزبون"؟ مثال لإجابة: "لأن إدارة التصنيع أنتجت هذه المنتجات ذات المواصفات المغايرة عما تم الإتفاق عليه بين مندوب إدارة المبيعات الشركة والزبون".

• الخطوة الثالثة: إذا كانت الإجابة مبهمة ولا توضح السبب الجذري للمشكلة التي تم تحديدها في الخطوة الأولى، إسأل "لماذا" مرة أخرى ثم إكتب الإجابة بالأسفل. مثال لسؤال على ما سبق: "لماذا تم تصنيع منتجات ذات مواصفات مختلفة عما تم الإتفاق عليه مع الزبون"؟ مثال لإجابة قد يكون: "لأن مندوب إدارة المبيعات اتصل هاتفياً حينها بمدير إدارة التصنيع وطلب منه المباشرة في العمل فوراً والإسراع بإنتاج ما طلبه الزبون. لذا من المحتمل حدوث خطأ عندما أفاد مندوب إدارة المبيعات بالمواصفات المطلوبة عبر الهاتف أو عندما دوَّنها مدير إدارة التصنيع خلال الاتصال".

• الخطوة الرابعة: إرجع إلى الخطوة الثالثة مرة أخرى (وهذا قد يتطلب محاولات قد تزيد عن خمس مرات) حتى يتفق فريق عملك على ما حدده كسبب جذري للمشكلة. مثال على ذلك ما يلي من أسئلة وأجوبة مبنية على المثال أعلاه: سؤال: "لماذا قام مندوب إدارة المبيعات بالإتصال مباشرةً بمدير إدارة التصنيع طالباً منه بدء العمل دون إتباع الإجراءات التنظيمية التي حددتها الشركة"؟ إجابة: "لأن إستمارة "بدء العمل" تتطلب موافقة مدير إدارة المبيعات قبل بدء الإنتاج، والذي قد يتسبب في تأخر عملية الإنتاج (أو توقفها) عندما يكون خارج الشركة". سؤال: لماذا تتطلب الإستمارة موافقة مدير إدارة المبيعات"؟ إجابة: "لأن مدير إدارة المبيعات بحاجة إلى أن يكون على إطلاع متواصل بحجم المبيعات التي تحققه الشركة، وذلك لمناقشة النتائج مع الرئيس التنفيذي في أي وقت يُطلب منه ذلك".

في المثال أعلاه نجد أن المشكلة قد تطلبت السؤال "لماذا؟" أريع مرات فقط، وذلك لتحديد ومعرفة أن السبب الجذري للمشكلة كان عبارة عن إجراء تنظيمي ليس ذو أهمية، تمثل في توقيع مدير إدارة المبيعات على إستمارة "بدء العمل"، ولكنه تسبب في تعطل عملية ذات قيمة مهمة لدى الزبائن، تمثل في سرعة الإستجابة لطلب الزبون مع توفير المنتجات بالمواصفات المطلوبة.

بئر القرية
يُحكى أن قرية كان بها بئر واحدة فقط لمياه الشرب. وذات يوم سقط كلبُ في البئر ومات، فأصبحت المياه غير صالحة للشرب. حينها استشار أهل القرية بعُمدتها، فأشار العمدة إليهم بسحب مائة دلو ماء من البئر بحيث تبلغُ المياه النظيفة سطح البئر. فقام أهل القرية بسحب مائة دلو ماء من البئر ولكن ظل الماء في البئر قذراً لا يصلح للشرب. فاستشاروا العمدة مرة أخرى، فأشار إليهم بسحب مائة دلو ماء أخرى، ولكن من دون جدوى. حاول أهل القرية سحب مائة دلو ماء للمرة الثالثة بناءاً على مشورة العمدة، ولكن ظلت مياه البئر قذرة.

تعجب عمدة القرية من أمر هذه البئر، وسأل الأهالي مستغرباً: "كيف يمكن لماء البئر أن تظل قذرة لا تصلح للشرب حتى بعدما سحبتم منها هذا الكم الهائل من الماء؟ هل قام أحدكم بإزالة جسد الكلب الميت من البئر قبل أن تسحبوا هذه المياه"؟ فتطلع الأهالي لبعضهم البعض في دهشة وأجابوا: "كلا! أنت أشرت علينا بإخراج الماء فقط، وليس جسد الكلب الميت"!

نقطة أخيرة
"لا يمكننا حل مشاكلنا بنفس أسلوب التفكير المستخدم عندما خلقنا هذه المشاكل" - Albert Einstein، عالم فيزياء ألماني المولد أميركي الجنسية وصاحب النظرية النسبية في مجال الفيزياء النظرية.

نشر هذا المقال بتاريخ 24 مارس 2016 في عمود "درايش" بجريدة "النجمة الإسبوعية" الصادرة عن شركة نفط البحرين (بابكو). للاطلاع على المقال المنشور في صيغة PDF