بيئات العمل - بما تحتويه من مزيج من الشخصيات والأهداف المهنية المتنوعة والمتباينة - تُمثل بوتقة لأانواع مختلفة من المشكلات، ابتداءاً من تلك الناجمة عن الصراعات الشخصية بين الموظفين وانتهاءاً بالمشاكل ذات الصلة بالمنتج أو الخدمة التي تقدمها مؤسسة العمل. لذا فإن التعامل مع هذه المشكلات في بيئة العمل - وذلك بإتباع الخطوات المُقترحة أدناه - مهم لضمان محافظة الجميع على التركيز المطلوب لتحقيق أهداف العمل الرئيسية وعدم الإنشغال بالأهداف الشخصية.
• الخطوة الأولى: أعرف كل الحقائق المتعلقة بالمشكلة. تذكر بأنه لا يمكنك تحديد كيفية التعامل مع مشكلة معينة حتى تكون مُلِمَّاً بجميع جوانبها. لذا تحدث إلى الأشخاص المعنيين وتعرف من خلالهم على جوانب وعواقب المشكلة، بحيث يمكنك وضع خطة لحلها وبالتالي إعادة تركيز الجميع نحو الإنتاجية في العمل.
• الخطوة الثانية: كوِّن فريق عمل من أجل التوصل إلى حل. إذا كانت المشكلة متعلقة بعدد معين من الموظفين، تأكد من أن يشمل فريق حل المشكلة هؤلاء الموظفين. أما إذا كانت المشكلة ذات صلة بمؤسسة العمل ككل، إلتمس آراء جميع العاملين فيها من أجل وضع حل يصب في مصلحة كل من تأثر بالمشكلة من أفراد بالإضافة إلى مصلحة مؤسسة العمل بشكل عام.
• الخطوة الثالثة: اتخذ الخطوات اللازمة لتجنب تكرار نفس المشكلة مستقبلاً. عندما تواجهتك مشكلة في العمل وتجد حلاً لها، قم مباشرةً بتأمل وتدارس ما تعلمته، ومن ثم بادر بمراجعة سياسات وإجراءات مؤسسة العمل ذات الصلة للحيلولة دون حدوث المشكلة مرة أخرى.
الحجر الأسود
يُحكى أن فلاحاً في أحد القرى الصغيرة كان لسوء حظه مديون بمبلغ كبير من المال إلى تاجر مشهور بالجشع والبذاءة. وبالرغم من كونه كبير السن وقبيح الشكل، إلا أن التاجر كان معجباً بجمال ابنة القلاح الفاتنة. لذا عرض التاجر على الفلاح أن يُسقط ما عليه من ديون مقابل أن يقوم بتزويجه من ابنته، ولكن كلاً من القلاح وابنته أصيبا بالذعر والهلع من هذا العرض. حينها اقترح التاجر الماكر بأن يدع إقرار هذا الأمر للقَدَر وذلك بوضع حجرين أحدهما أسود اللون والآخر أبيض اللون في كيس فارغ للنقود، ثم يكون للفتاة فرصة اختيار حجر واحد من الكيس بحيث:
• إذا التقطت الحجر الأسود، تصبح الفتاة من نصيب التاجر، ويعفي والدها مما عليه من ديون.
• إذا التقطت الحجر الأبيض، فإن التاجر يعفي الفلاح مما عليه من ديون، ولا يتوجب على ابنته الزواج منه.
• إذا رفضت الفتاة التقاط أي حجر من الكيس، سيعاقب والدها بسجنه.
وكان الحضور ممن دُعي ليشهد الحدث واقف حينها على ممر ممفروش بالحجارة في أرض الفلاح. وبينما كان الجميع مشغولاً بالحديث فيما بينهم، قام التاجر بالتقاط حجرين من الأرض ووضعها في الكيس، ولكن الفتاة انتبهت إلى أن كِلا الحجرين أسود اللون! ثم طلب التاجر من الفتاة التقاط حجر واحد من الكيس أمام الحضور. الآن، تخيل لو كنت في مثل هذا الموقف، ماذا كنت ستفعل لو كنت في مكان الفتاة؟ إذا كانت لديك الفرصة لتقديم المشورة لها، ما ستقول لها؟ عند تحليل الموقف، بالإمكان استنتاج الاحتمالات التالية:
• أن ترفض الفتاة اختيار حجر من الكيس، مما سيثير غضب التاجر وبالتالي معاقبة والدها بالسجن.
• أن توضح للحضور بأن هناك حجرين في الكيس كلاهما أسود اللون، وبالتالي تكشف مكر التاجر وخداعه ولكن يظل والدها مُثقلاً بالديون ومُهدداً بالسجن مستقبلاً.
• أن تختار الفتاة أيٍ من الحجرين وتضحي بنفسها وتتزوج التاجر في سبيل إنقاذ والدها من الديون والسجن.
توقف للحظة وتمعن في التفكير في القصة. فكِّر بالنتائج المترتبة إذا اختارت الفتاة أياً من الاحتمالات المنطقية أعلاه. ستجد أن المأزق لا يمكن الإفلات منه بإستخدام التفكير المنطقي التقليدي. حسناً، هذا هو ما فعلته الفتاة.. قامت الفتاة بإدخال يدها في الكيس وسحبت منه أحد الحجرين. ومن دون النظر إلى ما في يدها من حجر، تظاهرت الفتاة بالإعياء والتعثر بقصد اسقاط الحجر من يدها على الممر المفروش بالحجارة، بحيث ضاع الحجر على الأرض بين الحجارة الأخرى. ثم صاحت: "آه، كم أنا خرقاء"! وأضافت: "لكن لا بأس، إذا علمنا لون الحجر المتبقي في الكيس، سنعرف لون الحجر الذي سقط مني سهواً". لذا ولكون الحجر المتبقي في الكيس أسود اللون، فإن الحضور افترض أن الفتاة التقطت الحجر الأبيض اللون. وبما أن التاجر لن يجرؤ على فضح تضليله وكذبه، فإن الفتاة تمكنت من تغيير مجرى مشكلة يمكن وصف حلها بالمستحيل إلى موقف عاد بالنفع عليها وعلى والدها.
نقطة أخيرة
"إن مشكلتنا هي أننا نكره التغيير ونحبه في نفس الوقت. ما نرديه حقاً هو أن تبقى الأمور على حالها ولكن في الوقت ذاته أن نتطور للأفضل" - Sydney J. Harris، صحفي وكاتب أميركي.
نشر هذا المقال بتاريخ 17 مارس 2016 في عمود "درايش" بجريدة "النجمة الإسبوعية" الصادرة عن شركة نفط البحرين (بابكو). للاطلاع على المقال المنشور في صيغة PDF
