Thursday 18 February 2016

النوم خلال العاصفة

يُحكى أن مزارعاً يمتلك مزرعة تطل على  ساحل البحر، كان يعلن بشكل متواصل عن حاجته لتوظيف مزارع شاب في مقتبل العمر يساعده على حرث الأرض وتربية الدواجن. ولكن كل من يتقدم بطلب العمل في المزرعة سرعان ما يتركون العمل خوفاً من العواصف القوية التي كانت تضرب ساحل البحر وتعيث الفساد في الحظائر والمحاصيل. وذات يوم، تقدم شاب قصير القامة صغير البنية للعمل في المزرعة، فسأله صاحب المرزعة: "هل تجيد العمل في الزراعة وتربية الدواجن"؟ فأجاب الشاب: "نعم، فأنا استطيع النوم عندما تهب الرياح". أصيب المزارع بدهشة وحيرة من أمره لعدم تمكنه من فهم وتفسير المقصود بإجابة الشاب، ولكنه كان في أمسِّ الحاجة للمساعدة في عمل المزرعة مما اضطره إلى توظيف الشاب. وفي غضون أيام، أثبت الشاب كفاءته في جميع نواحي العمل في المزرعة، حيث كان دؤوباً في عمله من الفجر وحتى الغسق، وكان صاحب المزرعة راضٍ عن مستوى عمل الشاب وسعيداً بإجتهاده.

وفي يومٍ ما، هبت ريح عاصفة وقوية أبقظت صاحب المزرعة وزوجته في منتصف الليل. قفز المزارع من فراشه ممسكاً بفانوس للإنارة وهرع مسرعاً إلى الكوخ المجاور حيث ينام الشاب فوجده ما زال يغطُ في نوم عميق. أيقظ صاحب المزارع الشاب صارخاً: "انهض! العاصفة قادمة! اربط الأدوات والمعدات بإحكام قبل أن تتطاير"! فأجاب الشاب بكل هدوء: "لا حاجة لذلك يا سيدي. لقد قلت لك سابقاً بأنني استطيع النوم عندما تهب الرياح" والتحف فراشه مواصلاً النوم ومتجاهلاً أوامر صاحب المزرعة! حينها غضب المزارع بشدة وكاد أن يطرد الشاب حالاً لولا انشغال تفكيره بالعاصفة القادمة والمسارعة بالتحضير لها من خلال تفقد ممتلكاته والتحقق من أن كل الدواجن والمعدات آمنة.

ولكن لدهشته، وجد صاحب المزرعة بأن أكوام القس مغطاة بالقماش المُشمَّع، والبقر مربوط ونائم بسلام في الحظيرة، والدجاج محفوظ بأمان في أقفاصه، والأدوات الزراعية موضوعة بإحكام في المخزن. كما وجد أن الجرار قد تم إيقافه بأمان في المرآب، وأن جميع الأبواب قد تم إقفالها بشكل آمن. كما لاحظ أن عدد كافٍ من جذوع الأشجار وُضعت بجوار الموقد لاستخدامها في التدفئة. كل شيء كان مربوطاً بإحكام ولا خوف من تطايره أثناء العاصفة. حينها أدرك صاحب المزرعة معنى ما قاله الشاب "استطيع النوم عندما تهب الرياح" وعاد إلى فراشه للنوم بكل طمأنينة في حين كانت الرياح تعصف في الخارج. 

كُن مستعداً دائماً
"لماذا لم نلاحظ هذه المشكلة ونستعد لها مسبقاً"؟ كأي مسؤول في العمل، هذا هو السؤال الذي لا ترغب في أن تسأله مطلقاً. ولكن من الصعب تجنب الأزمات المفاجئة التي قد تعصف بأي مؤسسة كم حين إلى آخر. لذا يتوجب عليك دوماً العمل بإخلاص وأمانة عندما تكون السماء صافية في بيئة عملك وذلك تحسُباً واستعداداً لما قد تهب من عواصف. لا تنتظر العاصفة، واستغل وقت فراغك في الإعداد للمستقبل وتقلبات الظروف. 

مؤخراً قرأت مقالاً في مجلة الـ Harvard Business Review يوضح أن أحد أهم الأمور الواجب على أي مؤسسة أو فريق عمل وضعها مُسبقاً لمواجهة مثل هذه العواصف - أو الأزمات - هو إيجاد نظام إنذار مُبكر ومتطور لتوقع أوضاع مستقبلية محددة قد تؤثر إيجاباً أو سلباً في وضع الخطط الاستراتيجية والاستثمارية والتنموية الطويلة الأمد. عملية التوقع هذه تتم عن طريق تحليل مجموعة من السيناريوهات المُحتمل حدوثها مستقبلاً، ومن ثم وضع فريق عمل على أهبة الاستعداد ويتابع المؤشرات التي توضح احتمالية حدوث مثل هذه السيناريوهات.

ولتوضيح ما سبق، تطرق المقال إلى مثال تطبيقي يُحتذى به من شركة بطاقات الائتمان Visa. ففي أواخر التسعينات من القرن الماضي، واجهت شركة Visa منافسة شديدة من قِبل ما كان يُعرف حينها بـ"الحلول الناشئة للدفع عن طريق شبكة الانترنت" (بالإنجليزية: Emerging Solutions for Payment Through the Internet) والتي كانت تسنح للمستهلك بتجاوز استخدام بطاقات الائتمان كُلياً من خلال معاملات peer-to-peer عبر الانترنت. حينها توقع المحللون الاقتصاديون في "وول ستريت" بأن هذه الحلول تنذر بزوال بطاقة الائتمان البلاستيكية، كما أن شركة Visa نفسها توقعت أن تخسر ما يصل إلى 10% من حصتها في السوق على المدى القصير، وهو ما يعني خسارة عشرات الملايين من الدولارات المستحصلة كرسوم معاملات. 

حينها ولتحديد أفضل مسار للعمل، قامت مجموعة من المختصين في الاستراتيجيات في شركة Visa بوضع تصور لأربعة سيناريوهات مستقبلية، تتدرج من احتمال بدء حلول الدفع الناشئة - والمدعومة برؤوس الأموال - بالمنافسة الشرسة على الفور في السوق الأميركية إلى احتمال فشل حلول الدفع الناشئة بكل بساطة في استقطاب السوق واستمرارية نموها. كلٍ من هذه السيناريوهات حددت بوضوح - وبإستخدام الرسوم المرئية - شريحة المنافسين والنتائج المترتبة، ومن ثم قامت شركة Visa بتعقب مجموعة من المؤشرات التي تشير إلى احتمالية حدوث أيٍ من هذه السيناريوهات. مثال على ذلك: تزايد عدد المتاجر التي اشتركت في الخدمات المُقدمة من حلول الدفع الناشئة، ومستوى الإنفاق على الدعاية والإعلان من قِبل المنافسين، ومقدار رؤوس الأموال التي تمكن المنافسون الجدد من تحصيلها من المستثمرين.

وبحلول عام 2001، لاحظت شركة Visa أن عدة مؤشرات بدأت بالتضاؤل، وأن الشركة قد تجنبت الوقوع في خطأ استراتيجي قد يكون مُكلفاً لو كان استناداً فقط على مجموعة هموم قد تكون ردة الفعل لها سابقة لأوانها. بالإضافة إلى ذلك، ظلت المعلومات التي جمعتها الشركة - عندما واجهت خطر المنافسة من قِبل حلول الدفع الناشئة - ذات قيمة، حيث تمكنت الشركة من استغلال هذه المعلومات في تعزيز ثقافة المستهلك حول المعاملات المالية التي تتم عن طريق الانترنت والعمل على تطوير وترقية التقنيات الآمنة للمعاملات المالية الإلكترونية.

نقطة أخيرة
"فشلك في الإستعداد إنما هو إستعدادك للفشل" - Benjamin Franklin، مؤلف سياسي ودبلوماسي أميركي، من أبرز المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية.

نشر هذا المقال بتاريخ 18 فبراير 2016 في عمود "درايش" بجريدة "النجمة الإسبوعية" الصادرة عن شركة نفط البحرين (بابكو). للاطلاع على المقال المنشور في صيغة PDF