Thursday, 31 December 2015

البحث عن الإبداع

اتصل بي مؤخراً أحد زملائي في العمل ليُثني على عمود "درايش" لما يحويه من مواضيع وقصص متنوعة. وخص بالذكر مقالي المنشور بتاريخ 10 ديسمبر 2015 والذي تطرق إلى الإبداع في العمل. ولكنه أبدى تساؤلات حول صعوبة الإبداع في إيجاد الحلول، خصوصاً في ظل فريق عمل يعمل في نفس المجال ويقوم بنفس المهام ويحمل أفراده خلفية علمية وعملية متقاربة. 

حينها تذكرت قصة كنت قد قرأتها في ورقة عمل بعنوان "العوائد الحقيقية للبحث والتطوير" (بالإنجليزية:  Real Returns on R&D) للمؤلفين Michael Treacy، James Sims، وGeorge Lieberman. يدور محور القصة حل رجل كان يبحث عن مفاتيحه المفقودة في ليلة مظلمة تحت ضوء عمود الإنارة في الشارع، على الرغم من أن آخر مكان يتذكر بأنه لاحظ بأنه ما زال محتفظاً بالمفاتيح كان في مكان آخر! فمر عليه شخص ما وسأله عما يبحث عنه ولماذا ما زال مستمراً في البحث عن المفاتيح في المكان الخاطئ، فرد عليه الرجل: "لأن الإنارة أفضل بكثير هنا"!

إننا كبشر نُخطئ في كثير من الأحيان عندما نبحث عن حلول إبداعية في نطاق ما نعرفه - وما إعتدنا عليه - بدلاً من البحث عن عذه الحلول أينما كانت، والتي عادةً ما تكون موجودة خارج نطاق المألوف Outside the Box.

حذاء الرياضة
في التاسع من شهر ديسمبر 1934، كان فريق New York Giants يلعب ضد فريق Chicago Bears في المباراة النهائية للفوز بكأس بطولة الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية (بالإنجليزية: NFL Championship). كان مستوى أداء الفريقين متقارب، ولكن العوامل الخارجية في ذلك اليوم أدت إلى تغير في مجريات اللعب، حيث أن الأمطار الغزيرة ودرجات الحرارة المتدنية حولت أرضية ملعب Polo Grounds في مدينة نيويورك إلى أرضية متجمدة وشبه جليدية. بعد إنتهاء النصف الأول من المباراة، كان الفريق المُضيف New York Giants مُتخلفاً بثلاث نقاط مقابل عشر نقاط للفريق الزائر Chicago Bears الذي بدا وكأنه أكثر مهارة في الإنزلاق على أرض الملعب.

ولكن خلال استراحة ما بين الشوطين، وفي غرفة تبديل الملابس الخاصة بفريق New York Giants، خطر على بال أحد أعضاء الطاقم الفني للفريق فكرة جنونية لرفع كفاءة أداء الفريق في ظل الظروف الجوية القاسية. الفكرة بحد ذاتها لم تكن ذات علاقة بما يحدث عادةً في إستراحة ما بين الشوطين من تغييرات في التكتيكات الهجومية أو التشيكلات الدفاعية للفريق. حيث رأى صاحب الفكرة بأن أداء الفريق لن يكون أكثر نجاحاً بتغيير خطة اللعب وإنما عن طريق تغيير الأحذية، بحيث يرتدي لاعبو الفريق الأحذية الرياضية ذات النعل المطاطي - والذي سيؤدي إلى ثبات أقدامهم عند احتكاكها بأرضية الملعب المتجمدة - بدلاً من الأحذية المعتادة والمخصصة للعب كرة القدم.

أدت هذه الفكرة إلى ثبات أقدام لاعبي فريق New York Giants خلال النصف الثاني من المباراة، وسجَّل سبعاً وعشرين نقطة، مما أدى إلى فوزه بالبطولة بثلاثين نقطة مقابل ثلاثة عشر نقطة لصالح فريق Chicago Bears. وأصبحت هذه المباراة تعرف بمباراة Sneakers Game في تاريخ كرة القدم الأميركية.

الدرس الذي يُمكن تعلمه من فريق New York Giants في ذلك اليوم هو أن تتحدى المُسلَّمات من طريق وأساليب للقيام بعمل ما وأن تتساءل عن مدى جدواها. هذا التحدي - والجرأة في محالفة المعتاد - أمر بالغ الأهمية في مجال الإبداع في العمل والتفكير خارج نطاق المألوف، وقد يسهم في إحراز التقدم المطلوب وبالتالي تحقيق نجاحات أكبر.

نقطة أخيرة
"كلما كان التحدي أكبر، كلما كان المجد أكبر عندما تنتصر" - Molière، ممثل وكاتب مسرحي فرنسي.

نشر هذا المقال بتاريخ 31 ديسمبر 2015 في عمود "درايش" بجريدة "النجمة الإسبوعية" الصادرة عن شركة نفط البحرين (بابكو). للاطلاع على المقال المنشور في صيغة PDF