في كتابهما Everything Connects، يوضح الكاتبان Faisal Hoque وDrake Baer بأنه لا يُمكن لأحد أن ينجح بمفرده، وأنه في أي مشروع - سواءاً كان مشروعاً شخصياً أو مهنياً أو إنسانياً أو سياسياً - يتوجب علينا أن نذكر الأشخاص الذين شاركوا فيه وكانوا أساساً في نجاحه. ولكن أكثر ما شد إنتباهي عند قراءتي للكتاب كان تطرقه إلى الكيفية التي نتواصل ونتعامل بها مع بعضنا البعض كبشر وليس فقط كموظفين أو مشرفي عمل لأو مدراء تنفيذيين، والنجاح المترتب عن الوعي بطرق وأساليب التعامل المختلفة. لذا أحب أن أشاركك عزيزي القارئ بأربع أفكار تطرق لها الكتاب في التواصل مع جميع من تعمل معه في بيئة عملك:
• غرس الإلهام والإبداع: يقول Drake Baer بأنه "إذا كُنا نريد أن نغرس حس الإلهام والإبداع في الآخرين، فإننا بحاجة إلى الإهتمام والعناية بالنظام المحيط بهم"، حيث أثبتت مؤسسات العمل التي تتعامل مع موظفيها كأفراد الأسرة الواحدة نجاحها في خلق بيئات عمل مُلهمة وذات طابع إبداعي مقارنة بتلك المؤسسات التي ما زالت تعامل موظفيها كمجموعة من التروس في محرك. كما يُضيف Faisal Hoque بأن إستدامة الإلهام والإبداع تعتمد أساساً على رغبة الأفراد في العمل معاً على تبادل الأفكار ومقارنة الملاحظات وإيجاد الحلول المشتركة للمشاكل. وقد تطرقت في مقالات سابقة من خلال هذا العمود إلى أن الإلهام والإبداع في العمل ليس خياراً بعد الآن، وإنما هو مطلب لنجاح أي مؤسسة عمل.
• الإستفادة من الكفاءات والمهارات: تماماً كما لا يمكنك أن تُجبر زهرة على النمو على رصيف من الأسمنت، فإنه لا يمكنك أن تدفع أي شخص لأن يكون على غير حقيقته وأن يقوم بما هو مطلوب منه طالما كان في يعمل في المكان الخطأ. لذا ينصح Faisal Hoque بأن تصنف مؤسسات العمل احتياجاتها بناءاً على الكفاءات والمهارات التي تفي بهذه الإحتياجات، حيث يقول: "القائد في بيئة العمل كالقَيِّم أو الوصي على مجموعة متنوعة من الكفاءات والمهارات، فلابد له من الإهتمام بها والعمل على صيانتها وتعزيزها وتطويرها".
• تشجيع الطموح: لنفرض أنك بنيت فريق عملك من الكفاءات ذات الطاقات الإبداعية الخلّاقة، ولكن ماذا لو كان كل فردٍ يطمح نحو تحقيق نجاحاته وأهدافه الشخصية عوضاً عن أهداف الصالح العام؟ يوضح Drake Baer بأن هذه الطموحات ليست بالضرورة مجموعة من الأهداف المتباينة، وإنما "الفكرة هي أن تلك الطموحات تخلق التواصل بين الأفراد. فعندما يعمل الأفراد مع بعض غي مشاريع يرغبون العمل بها، فإن علاقات التواصل والتشجيع المتبادل تتشكل فيما بينهم".
• ممارسة الوعي الذهني: التركيز على موضوع الوعي الذهني في كتاب Everything Connects هو ما يميزه عن النوع التقليدي من التفكير. حيث يلفت الكتب إنتباه القارئ إلى أن نمط الحياة المهنية، وإسراعنا في الإنجاز والإنتقال من مهمة إلى مهمة، يفصلنا عن إمكاناتنا الإبداعية ويعزلنا عن أولئك الذين يجعلون مساعينا ممكنة. يقول Faisal Hoque: "عندما نتوقف عن التساؤل فإننا نتوقف عن الإبداع ونبدأ في خلق التعقيد ونفشل في نهاية المطاف"، ولكن يضيف Drake Baer بأن الإسترخاء بالذهن لا يعني التحرك ببطء وإنما "المعرفة والوعي بما تقوم به من عمل".
الحصان والخروف
يُحكى أن مزارعاً كان يملك حصاناً وخروفاً. وذات يوم مرض الحصان، فقام المزارع بدعوة الطبيب البيطري والذي أجابه قائلاً: "إن الحصان مصاب بعدوى، لذا يجب أن تعطيه هذا الدزاء لمدة ثلاثة أيام، وسأعود حينها للكشف عليه وفحص حالته. فإذا لم يشف من المرض، سيتوجب عليم أن تقتله". في تلك الأثانء كان الخروف على مقربة وسمع ما قاله الطبيب.
في اليوم التالي، قام المزارع بإعطاء الدواء للحصان ثم انصرف. فاقترب الخروف من الحصان وقال له: "كن قوياً يا صديقي. قف واظهر للمزارع بأنك ما زلت قوياً وفي صحتك، وإلا فإنه سيقوم بقتلك". في اليوم الثاني، قام المزارع بإعطاء الدواء للحصان ثم انصرف. فجاء الخروف للحصان وصاح به: "هيا يا صديقي! إنهض من مكانك وإلا سوف تموت"! هيا، سوف أساعدك على الوقوف.. واحد، اثنان، ثلاثة"! في اليوم الثالث والأخير، جاء الطبيب البيطري مع المزارع لإعطاء الحصان الدواء، ثم قال الطبيب البيطري: "لسوء الحط، يبدو بأننا سنضطر لقتل الحصان تجنباً لإنتشار العدوى وانتقالها إلى حيوانات الأخرى في المزرعة".
بعد انصراف المزارع والطبيب البيطري، اقترب الخروف من الحصان وقال له: "اسمع يا صديقي، يجب عليك أن تقف الآن. هيا! إنك تملك الشجاعة والقوة. هيا إنهض! نعم، إنهض ببطء. عظيم! هيا، واحد، اثنان، ثلاثة..ممتاز! الآن حاول أن تهرول. أسرع، أسرع، أنت بطل"! حينها عاد المزارع ليتفاجئ بالحصان يرطض مهرولاً ولا تبدو عليه معالم المرض، فصاح قائلاً: "إنها معجزة! لقد تشافى حصاني من المرض! لابد أن نحتفل بهذه المناسبة. لنذبح الخروف ونعد وليمة"!
نقطة أخيرة
"كن مُشجعاً للغير. العالم فيه كثير من النُقّاد" - Dave Willis، كاتب ومنتج وممثل صوت أميركي.
نشر هذا المقال بتاريخ 31 مارس 2016 في عمود "درايش" بجريدة "النجمة الإسبوعية" الصادرة عن شركة نفط البحرين (بابكو). للاطلاع على المقال المنشور في صيغة PDF
