Thursday, 25 February 2016

المسؤولية الجماعية المشتركة

العديد من الشركات تتبع نظام المسؤولية الهرمي، بحيث يكون المدير مسؤولاً عن قيادة فريق مكون من مجموعة أفراد، ومسؤولاً عن إنجاز أي مشروع يضطلع فريقه بالعمل عليه. كما يرجع الشكر والتقدير - عادةً - إلى المدير في حال نجاح المشروع أو أن يكون موضع التأنيب وإلقاء اللوم في حال فشل المشروع، على الرغم من أن أفراد الفريق هم من عمل على تحقيق هذا المشروع. كما أن وظيفة المدير الرئيسية تتمحور حول الإشراف والتخطيط والمراقبة والقيام بكل ما يجب لضمان إنجاز المهام ذات الصلة في الوقت المناسب، إضافة إلى كون المدير حلقة الوصل والتبليغ مع المستويات العليا في الهرم الوظيفي. 

ولكنني أجد ما يطرحه هذا النظام المؤسسي متناقض مع مبادئ العمل الجماعي والتي أؤمن بها، ولا يبدو لي أن هذا النموذج عادلاً لكونه يعطي التقدير أو يلقي باللوم على شخص واحد نيابة عن فريق العمل ككل! وبالرغم من أنه لابد من وجود شخص معين - مدير فريق العمل - للتواصل والإشراف على جميع المهام لضمان وضوح رؤية شاملة وقابلة للتحقيق، إلا أنني أرى بأن مدير فريق العمل في أي حال من الأحوال ليس في مرتبة أعلى أو أدنى من باقي أعضاء الفريق الذين يلقى على عاتقهم إنجاز وتحقيق هذه المهام. لذا عند حدوث أمور خارجة عن سيطرة المدير فإنه من الظلم إلقاء اللوم عليه، كما لا ينبغي أن يرجع كل الشكر والتقدير إليه لما حققه الفريق، فقط لكونه من أشرف عليه! وقبل أن أستطرد في حديثي، أود أن أوضح مفهومي لمبدأ "العمل الجماعي". ففي رأيي الشخصي، مبادىء العمل الجماعي الصحيحة هي تلك التي تلزم كل فرد في الفريق بإحترام الآخر، خصوصاً عند اختلاف الآراء. كما تلزم الفرد ببذل قصارى جهده والسعي إلى تقديم أفضل ما في الآخر، بالإضافة إلى الإلتزام بالعمل والشعور بالمسؤولية تجاه تحقيق هدف الفريق المشترك والسعي لإنجازه.

وبما أن رأس مدير فريق العمل فقط على المحك بناءاً على نجاح أو فشل المشروع بأكمله، فإنه يتوجب أن يُعطي القوة والسلكة للسيطرة على جميع أعضاء فريق العمل المُضطلع بمهام المشروع، وإلا فإنه قد يفشل. لذا فإنني أجد أن نظام المسؤولية الهرمي - الذي بالإمكان إعتباره نطاماً للمسؤولية الفردية - يعمل على خلق بيئة عمل تشجع على السيطرة، مما قد يؤدي إلى ولادة أسلوب إداري متسلط يفرض عبارة "أنا المسؤول"، ويهمش باقي أفراد الفريق ليكونوا مجرد دمى متحركة لا تحمل إحساس المسؤولية المشتركة نحو إنجاز أي مشروع. البعض قد يجادل بأنه لابد من إتباع نظام المسؤولية الهرمي لكونه الأنسب للشركات الكبيرة، حيب يتوجب التوفيق بين ما يلزم إنجازه لتحقيق رؤية الشركة عبر عدد كبير من الموظفين، وذلك بناءاً على درجات معينة من السيطرة والتنفيذ من خلال تسلسل الهرم الوظيفي.

مؤخراً قرأت كتاباً بعنوان "مافريك: قصة النجاح وراء مكان العمل الأكثر غرابة في العالم" (بالإنجليزية: Maverick: The Success Story Behind the World's Most Unusual Workplace) لـ"Ricardo Semler" الرئيس التنفيذي لشركة Semco البرازيلية. يوضح الكتاب بأن فرق العمل في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عادةً ما تتمتع بدرجة من الإستقلالية والإشراف الذاتي، مما يشجع على العمل الجماعي والمسؤولية المشتركة، وكيف أن شركة قابضة وصناعية عملاقة مثل Semco تبنت نظام العمل المُتبع في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأثتب فعاليته في خلق نقلة نوعية على صعيد الثقافة المؤسسية للشركة. حيث قامت الشركة بإلغاء عدة طبقات من الإدارة في هرهما الوظيفي، وأصبح أعضاء الفريق يتداولون الفرصة في الأخذ بزمام الأمور وإدارة الفريق. هذا النهج قد يكون نسبياً أكثر فوضوية وقد يبدو غير منظم أو يُسفِر عن تضارب في الآراء، ولكنني أعتقد بأن إيجاد الحلول لمثل هذه المشاكل أسهل بكثير من إيجاد حل لإسلوب إداري مسيطر ومتسلط! كما أؤمن بأن المسؤولية المشتركة تخلق أسلوب إداري تكافلي يقلل من حجم المنافسة بين أفراد الفريق ويُحسِّن من أوجه التعاون فيما بينهم.

مصيدة الفئران
يُحكى أن مزارعاً وزوجته وضعا مصيدة للفئران في البيت، ورأى الفأر حينها المزارع وهو يضع المصيدة فأسرع خارجاً إلى الحظيرة وصاح محذراً الدواجن: "هناك مصيدة فئران في المنزل! هناك مصيدة فئران في المنزل"! فأجابت الدجاجة بكبرياء: "عزيزي الفأر، قد يكون الأمر مُقلقاً بالنسبة إليك، ولكنه لا يضايقني ولا علاقة لي بالأمر". حينها إلتفت الفأر إلى الخروف وصاح: "هناك مصيدة فئران في المنزل! هناك مصيدة فئران في المنزل"! فأجاب الخروف متعاطفاً: "أنا آسف عزيزي الفأر، ولكن ليس هناك ما يمكنني مساعدتك به سوى الدعاء لك بأن لا تقع في المصيدة". وفي محاولة أخيرة، إلتفت الفأر إلى البقرة وصاح: "هناك مصيدة فئران في المنزل! هناك مصيدة فئران في المنزل"! فردَّت البقرة بكَسَل قائلة: "أنا آسفة عزيزي الفأر، ولكن هذا الأمر ليس مهماً بالنسبة لي لكونه لن يؤثر علي بأي شكل من الأشكال". عاد الفأر إلى المنزل وهو حزين ومكتئب، مواجهاً لوحده خطر مصيدة الفئران.

وفي تلك الليلة، سُمع صوت مصيدة الفئران فأسرعت زوجة المزارع مهرولة إلى المصيدة، ولكنها في الظلام لم تلحظ بأن المصيدة قد قبضت على ذيل ثعبان سام قام بلدغها! هرع المزارع بإحضار طبيب القرية لمداواة زوجته التي بدت تظهر عليها أعراض حمى شديدة. حينها طلب الطبيب من الزوج إطعام زوجته حساء الدجاج حتى تخف أعراض الحمي، فقام المزارع بذبح الدجاجة وطهيها. ولكن مرض الزوجة اشتد واستمر، وأصبح عدد من الأهل والجيران يتناوبون على الجلوس بقربها على مدار اليوم، مما اضطر المزارع إلى ذبح الخروف لإطعامهم. وفي نهاية المطاف، تدهورت حالة الزوجة الصحية وتوفت، فأتى الناس لتشييع جنازتها، وقام المزارع حينها بذبح البقرة لتوفير الغداء لمن حضر الجنازة يومها.

لذا عند سماعك بأن فرد في فريق عملك يواجه مشكلة ما وإعتقادك حينها بأن لا علاقة لك بالأمر، تذكر بأن تعرض هذا الفرد لهذه المشكلة دون بذل الجهد الجماعي لحلها قد يضعك وباقي الفريق في وضع لا يحسد عليه مستقبلاً.

نقطة أخيرة
"أن مسؤوليتنا الفردية والمشتركة هي الحفاظ على البيئة التي نعيش فيها جميعاً ورعايتها" - Dalai Lama، القائد الروحي والديني الأعلى للبوذيين في إقليم التبت بالصين.

نشر هذا المقال بتاريخ 14 يوليو 2016 في عمود "درايش" بجريدة "النجمة الإسبوعية" الصادرة عن شركة نفط البحرين (بابكو). للاطلاع على المقال المنشور في صيغة PDF