Thursday 14 January 2016

ثقافة اللوم

منذ الأزل والانسان بطبيعته عادةً ما يحاول إيجاد وسيلة للتملص من تحمل المسؤولية تجاه وضع غير ملائم ومرغوب فيه، وغالباً من خلال "نقل المسؤولية" إلى شخص آخر. فمن أجل تجنب المواقف غير الملائمة والقضايا غير المرغوب فيها، يميل الناس إلى نقل المسؤولية عن الموقف أو القضية من خلال إلقاء اللوم على شخص آخر. هذا الأمر لا يختلف في أي بيئة تتطلب العمل كفريق واحد نحو هدف واحد. فمن الملاحظ أن الفرد عندما يواجه وضعاً غير مناسب في العمل، عادةً ما تكون ردة فعله وتعامله مع الوصع بناءاً على غريزته في الحفاظ على قيمة الذات (بالأنجليزية: self-preservation). وسواءاً كان ذلك كبرياء أو في سبيل المحافظة على السُمعة، فإن إلقاء اللوم على الآخرين هو رد الفعل المتوقع من الفرد في سبيل إعادة توجيه الانتباه وحماية نفسه من العواقب المترتبة.

لذا يتوجب عليك أولاً كقائد لأي فريق عمل أن تستشعر الدلائل التي توضح مدى تواجد ثقافة اللوم في بيئة عملك، والتي من بينها:
• إلقاء اللوم على أطراف خارجية، مثل الزبائن أو الموردين أو حتى زملاء العمل في الإدارات الأخرى.
• إخفاء الأخطاء وعدم العمل على تصحيحها بطريقة سليمة.
• النميمة والإشاعات التي تتداول كأداة تواصل ومشاركة رئيسية بين الأفراد.
• تحوُّل إجتماعات العمل إلى مناقشات - وأحياناً مشادات - حول من هو المسؤول عن ماذا.

ومن ثم العمل على تقليص دور ثقافة اللوم في مكان العمل وتشجيع المشاركة الإيجابية - والتكافلية - بين فريق عملك من خلال إتخاذ الخطوات التالية:
• التأكد من أن المسؤوليات محددة بشكل واضح لكل عضو في الفريق تجاه أي مشروع أو عمل.
• خلق بيئة عمل آمنة وذات شفافية تُمكن أفراد الفريق من التصريح بأخطائهم دون توجيه النقد الهدّام تجاههم.
• وقف عملية إلقاء اللوم على الغير من خلال إعادة توجيه تركيز أفراد الفريق على التعاون وإعادة النظر في ما حدث من خطأ، والعمل كفريق على تحسين المنهجية المُتبعة في العمل لتفادي ما حدث مستقبلاً.
• كقائد لفريق العمل يجب أن تكون مثالاً يُحتذى به عن طريق الاعتراف بالأخطاء وأوجه القصور وتحمُّل المسؤولية بالنيابة عن أفراد فريقك. 

تذكر بأن الكل يُخطئ. لذا عليك معايشة ما يواجهه المخطئ عندما يكون في حالة من القلق، والتوضيح بشكل دوري لفريق عملك بأن الأخطاء إنما هي فرص للتعلم وأن الجميع بإمكانه استغلال هذه الفرص للتطور في العمل ومن سير العمل.

أصبحت غلطتي!
يُحكى أن أحدهم قرر ذات مرة الطيران بإستخدام المنطاد الهوائي، وأثناء طيرانه ضلَّ الطريق فقرر أن ينخفض بالمنطاد إلى ارتفاع أقل يسمح له بالاستفسار من أحد المارة عن الاتجاه الصحيح. حينها رأى أحد الأشخاص، فصاح مخاطباً إياه من المنطاد: "عفواً! لقد ضللت الطريق" ثم أضاف: "وقد وعدت صديقاً لي على لقاءه خلال ساعة، ولكنني لا أعرف أين أنا"! فأجابه الشخص بالأسفل: "انت تحلق في منطاد يستخدم الهواء الساخن على علو 30 قدم فوق سطح الأرض. إحداثيات موقعك هي كالتالي: 40 درجة و22 دقيقة و21 ثانية شمال خط العرض، و70 درجة و30 دقيقة و33 ثانية غرب خط الطول". 

انبهر صاحب المنطاد وقال: "مذهل! لا بد أنك مهندس". فأجاب الشخص مستغرباً: "نعم، أنا أعمل مهندساً! ولكن كيف تمكنت من معرفة ذلك"؟ فرد عليه صاحب المنطاد: "حسناً، كل ما أخبرتني به من معلومات صحيح من الناحية الفنية ولكنه في نفس الوقت لا يفديني بشيء. فأنا ما زلت تائهاً وأنت بما أدليته من معلومات لم تساعدني، بل يمكنني القول إنك قمت بإضاعة وقتي وتأخيري عن موعدي"!

دُهش المهندس مما قاله صاحب المنطاد، ولكنه سرعان ما رد قائلاً: "لا بد أنك تعمل مديراً في مؤسسة ما". فأجاب صاحب المنطاد مستغرباً: "نعم، ولكن كيف عرفت"؟ فرد المهندس بكل هدوء: "حسناً، لأنك بكل بساطة لا تعرف أين أنت ولا إلى أين أنت ذاهب، وعلى الرغم من ذلك تتوقع مني مساعدتك. كما أنك أعطيت أحدهم وعداً وليست لديك أدنى فكرة كيف ستتمكن من الإيفاء بوعدك، لذا فإنك تتوقع من الناس تحتك العمل على حل مشاكلك"! ثم أضاف: "في الواقع، أنت في نفس الموضع بالضبط الذي كنت فيه منذ أن التقينا، ولكن بطريقة ما أصبحت غلطتي أنك تائه".

نقطة أخيرة
"عندما تلقي باللوم على الآخرين، فإنك تتخلى عن مقدرتك على التغيير" - Robert N. Anthony، بروفيسور أميركي في كلية هارفارد للأعمال.

نشر هذا المقال بتاريخ 14 يناير 2016 في عمود "درايش" بجريدة "النجمة الإسبوعية" الصادرة عن شركة نفط البحرين (بابكو). للاطلاع على المقال المنشور في صيغة PDF