في الثمانينات من القرن الماضي، كانت فرقة الروك أند رول Van Halen الأميركية في أوج شهرتها، ليس فقط من ناحية أدائها كفرقة ولكن أيضاً لكون العقد المُبرم بين الفرقة ومتعهدي حفلات وجولات الفرقة الفنية آنذاك يحوي على بند يُطالب المتعهد بتوفير وعاء يحوي على حبات من شوكولاته M&M's وراء كواليس المسرح لأعضاء الفرقة، بشرط أن لا يحوي الوعاء على أي من الحبات البنية اللون! العديد قد يُشكك في مدى صحة الحكاية، ولكنها في واقع الأمر قصة حقيقية أكّدها مغني الفرقة السابق David Lee Roth بنفسه، خصوصاً عندما أصبحت هذه القصة ترمز لمدى غطرسة وتكبر فرق موسيقى الروك أند رول في ذلك الوقت.
في تلك الفترة، كانت فرقة Van Halen تُقدم عشرات الحفلات كل عام، وكانت تنقل من موقع حفل إلى آخر في قاقلة مكونة من تسع شاحنات طويلة ذات مقصورات مُحملة بالعتاد والمعدات. لذا وبسبب التعقيد الفني المطلوب من قِبَل متعهدي الحفلات، كان العقد النموذجي لحفلات وجولات الفرقة الفنية مقعداً ومفصلاً وأشبه بـ"دليل الصفحات الصفراء للهاتف" كما وصفه مغني الفرقة David Lee Roth في كتاب لسيرته الذاتية. على سبيل المثال، إحدى بنود العقد تنص على "توفير 15 مقبس للتيار الكهربائي على مسافات تبلغ 20 قدماً بالتساوي، تُولِّد كلاً منها 19 أمبير"!
كما قامت فرقة Van Halen بدفن بند خاص في منتصف العقد كان يُطلق عليه المادة 126 والتي تنص على أنه "يجب أن لا تكون هناك حبية بينة اللون لشكولاته M&M's وراء الكواليس. وعند عدم إلتزام متعهد الحفل بهذا المطلب، يحق للفرقة إلغاء الحفل والمطالبة بتعويض كامل للتكاليف المترتبة". لذلك بمجرد وصول مغني الفرقة David Lee Roth لموقع أي حفل، كان سرعان ما يُرى وراء كواليس المسرح يتمعن في وعاء حبات شوكولاته M&M's. وبمجرد أن يرى حبات بنية اللون، يقوم بطلب تحقيق شامل ومفصل - وصارم - لكل واجبات والتزامات المتعهد حسب بنود العقد المُبرم. يقول المغني في سيرته الذاتية: "عندما أرى الحبات البنية اللون، أعلم يقيناً بأنني سأجد خطأً فنياً قد يُهدد العرض الفني للفرقة.. لأن المتعهد بكل بساطة لم يقرأ العقد"!
بعبارة أخرى، لم يكن David Lee Roth مجرد مغني، وإنما كان أيضاً أدارياً ذو خبرة! حيث أنه يعلم بأنه لن يتمكن من قضاء الساعات كل ليلة للتحقق من التيار الكهربائي من كل مقبس، لذا فإنه كان بحاجة إلى وسيلة سريعة لتقييم ما إذا كان عمال المسرح على انتباه واطلاع بمتطلبات العرض الفني للفرقة، وما إذا كان متعهد الحفل قد قرأ بتمعن كل كلمة في العقد وأخذها على محمل الجد. لذا كانت حبات الـM&M's بمثابة طيور الكناري في منجم الفحم*.
كما هو الحال مع David Lee Roth، لا أحد منا لديه الوقت والجهد ليكون على إطلاع تام بكل جانب من جوانب أعمالنا اليومية. ولكن ماذا لو إستطعنا خلق نظام يمكننا من التعرف على المشاكل قبل حدوثها؟ قد يبدو مثل هذا النظام نوع من ضرب الخيال، ولكنه بالضبط ما استطاع مغني الفرقة من تحقيقه. دائماً إسأل نفسك في العمل: "أين هي حبات شوكولاته M&M's البنية اللون"؟ وأعمل على تطوير نظام خاص بك يُبقيك على إطلاع بجميع التفاصيل الصغيرة التي تُحدد الإطار العام والأشمل لعملك.
*"طيور الكناري في منجم الفحم": مثل أميركي يرجع أصله إلى بداية عصر ظهور المناجم، والتي كانت آنذاك تفتقر إلى أنظمة التهوية الجيدة والتي يمكن الإعتامد عليها. لذا كان عمال المناجم يأخذون معهم طيور الكناري في أقفاص إلى داخل المنجم، لكون هذه الطيور حساسة لغازات الميثان وأول أكسيد الكربون. فكان بقاء طيور الكناري على قيد الحياة وبصحة جيدة، دليلاً لعمال المناجم على أن محيط عملهم أمن وخالٍ من الغازات السامة. وبالمقابل، فإن نفوق طيور الكناري كان بمثابة المؤشر بإرتفاع منسوب الغازات السامة وإنذار لعمال المناجم بضرورة المغادرة فوراً.
نقطة أخيرة
"الإدارة الناجحة هي فن تحويل المشكلات إلى مواضيع ذات أهمية وذات حلول بنّاءة مُحتملة، بحيث يرغب الجميع في القدوم إلى العمل للتعامل معها وحلها" - Paul Hawken، رجل أعمال وؤلف أميركي من مناصري حماية البيئة.
نشر هذا المقال بتاريخ 14 أكتوبر 2015 في عمود "درايش" بجريدة "النجمة الإسبوعية" الصادرة عن شركة نفط البحرين (بابكو). للاطلاع على المقال المنشور في صيغة PDF